Wednesday, September 17, 2014

جدي.

لطالما كنت طفلة مدلله فأنا كبرى ابوي و اولى احفاد جدي..
قضيت اولى سنوات حياتي في بيت جدي في احدى المناطق البعيدة عن المدينه و ضوضاءها و تلوثها..
في الشتاء كان جدي يحرق بعض الاخشاب ليلا امام مدخل المنزل و نجلس انا و هو بقربه يحكي لي عن صباه و ايام الحرب حين كان مشاركا في الحرب و يحكي لي عن التاريخ و الكتب.
حينها كنت صغيرة ف لم استوعب كل ما كان يقوله لكني لطالما انبهرت بما يحكيه من قصص و بطولات..
و صباحا كنت اجلس على الارض بجوار شجرة التوت التي كبرت معي فقد زرعها جدي قبل ان اولد ببضعة اسابيع.. كنت التقط حبات التوت التي وقعت على الارض و آكلها حتى يأتي هو و يقطف لي بعض الثمار التي لم يكتمل نضوجها بعد لأنه يعلم كم احب تلك المرارة المختلطة بعذوبة التوت و يحملني فوق كتفيه الى خرطوم المياه فنغسلها و التهمها ملطخة يداي ووجهي فكان يضحك الجميع ..
كان يهوى التقاط الصور. يصورني وانا اضحك و آكل و العب و ابكي حتى و انا نائمه..
و في الصيف كان يملأ المسبح الصغير الذي يكاد يكفي ان العب به وحدي و كانت امي و جدتي تجلسان بجانبي على الارجوحة و تشاهدنني و هن تتكلمان فأصرخ فيها ليشاهدانني وانا العب برداء البحر الشبيه بزي راقصات الباليه فيضحكن و يأتي جدي ليلتقط صورة لنا جميعا ثم لي ثم يعود الى الحديقه ل ري النباتات ثم يقترب من السور الذي يرقد بجانبه المسبح في صمت من خلفي و يرشني بالماء فاخرج لاجري ورائه لأنتقم منه و احتضنه..
ثم ليلا اهرب من سرير امي و اذهب الى غرفة جدتي واختبئ في حضنها فيأتي جدي و يجلس بجانبنا و يحكي لي قصة قد حكاها من قبل لكني لا امل منها ولا منه..
في صغري كنت دوما انام حين يحكي لي احد قصة ما. انام في منتصف القصه ولا يلاحظ الراوي حتى ينتهي منها سواء كان ابي او امي او خالتي لكن حين يحكي جدي القصه فلا نوم الى ان يفرغ منها و يقبل رأسي الصغير فأتعلق بذراع جدتي و انام.

ثم جاء اليوم الكبير. العودة الى المدينه ب صخبها و ضوضائها لأني اصبحت فتاة كبيرة و يجب ان اذهب الى الحضانه..
كانت بداية اليوم الدراسي في الثامنة صباحا و كان جدي يستيقظ في الخامسة ليصلي و يقود الى المدينه لأجده يوميا تحت المنزل ينتظرني فأركب معه و يوصلني.. يصحبني اولا الى المتجر فيشتري لي الكثير من الحلوى و يوصلني الى باب الفصل..
اتذكر ذلك المتجر و في الطريق كنت اغني معه.. كبرت وانا استمع ل ام كلثوم و صباح فخري و عبد الوهاب.. واقرأ الكتب الكبيرة التي ما زلت حتى يومي هذا آخذها من مكتبة جدي.. روايات كبيره لمؤلفين يخلد ذكراهم التاريخ..
اذكر يوم بدأت اقرأ قصائد ورباعيات صلاح جاهين. حين قلت له اني احب تلك القصائد تفاجأ لمعرفتي بها وانا ما زلت في الثالثة عشر في جيل لا ثقافة فيه.. كان سعيدا و فخورا بي..
لطالما احببت جدي..
العن اليوم الذي كبرت فيه و اخذتني الدنيا عنه و عن جدتي و اصبحت لا اكلمهما كثيرا حتى عندما نقضي بضعة اسابيع في بيتهم..
اكره ك ني ابتعدت عنهما كثيرا خاصة جدي..
يعلم الله وحده كم افتقد طفولتي في منزله و خروجي معه يوم العطله و الوقت الذي اقضيه معه..
كم اخاف ان يأتي يوم و يحرمني الله منه..اتمنى الا اشهد هذا اليوم في حياتي.. يوم رحيلي او رحيل جدي عني..

1 comment:

  1. لا أمل من قراءة هذا -بإسلوبك بالتحديد- لربما كنت أتمنى أن أرى جدتي أو جدي في يومٍ ما،. ولكن سرعان ما تقبلت واقع انهم لم يُخلقوا لكي أراهم، رحمهم الله.

    ReplyDelete